لا أحد يعلم ما الذي كُسر أولًا… الصمت أم الخوف.o
أكاينو يقف بثبات، كتفه يقطر بالدم، ويده ما زالت تحمل أثر العصا التي أوقفها بقبضته. عيناه لا تزيغان عن رافين، بينما رجاله يتحركون بتوتر، عيونهم تتنقل بين القائد والشاب، كأنهم لا يصدقون ما رأوه.
الصمت يثقله الثقل، والجميع يراقب، ينتظر… تحركًا، أو كلمة.
أكاينو لا يتكلم، ولا حتى يرمش. ٫هو فقط يفكر ماذا ستكون الخطوة القادمة؟ ....
رافين وقف بثبات، ابتسامة ساخرة ترتسم على وجهه وهو ينظر إلى الدم الذي يقطر من أنفه.
"أتعلم؟" قال وهو يخطو خطوة للأمام، مسح أنفه بإبهامه مرة أخرى، ثم أضاف ببرود:
"كنت سأكسر لك بعض العظام بهدوء... لكنك الآن جعلتني أغيّر رأيي."
نظراته كانت حادة، كأنما يبعث تحديه في الهواء بينه وبين أكاينو. كان هناك شيء في عينيه أبعد من السخرية، شيء ينذر بالعاصفة التي ستجتاح المكان.
اتّسعت ابتسامة رافين، لكن عينيه ظلّتا سوداوتين كالغدر. تقدّم خطوة، ومسح الدم عن أنفه وقال بنبرةٍ قاتمة:
"لكن اولاً....ما اسمك؟ قبل أن أرسل رأسك تذكارًا لأمك."
اشتعلت علامته الحمراء، وهجُها يزحف كاللهب على كتفه. رجاله انتظروا الأمر.
لكن أكاينو .....
قال بصوتٍ هادئ، كأنّه لا يخاطب رافين بل يُحكم عليه:
"أكاينو... تيندو."
ثم أردف، وعيناه لا تحيدان:
"الاسم الأخير الذي ستسمعه واقفًا."
ما سيحدث بعد قليل. خطوتان، ومهما كانت النتيجة، ستكون النهاية.
لكن ما الذي حدث ؟.....
---
اقترب أحد أتباع رافين، ينسلّ من بين الظلال كمن يحمل سرًا خطيرًا. اقترب حتى التصق بكتف قائده، ثم همس في أذنه:
"لقد وصل، يا سيدي... ."
لم يرد رافين فورًا، عيناه تحدقان في الفراغ، تغيرت ملامحه . ثم، ببطء، هزّ رأسه كمن استوعب شيئًا أكبر من اللحظة، وقال بنبرة هادئة :
"جيد...."
تفقد العلامة على كتفه توهجها
استدار، خطواته بطيئة، لكن فيها ثقل من يعرف متى ينسحب، ومتى يعود. قائلاً لرجاله:
"هيا، لدينا ما هو أهم."
تحركو خلفه، لكن قبل أن يخطو بعيدًا، مر بمحاذاة أكاينو، وهمس دون أن ينظر إليه:
"لقاؤنا لم ينتهِ بعد... يا صعلوك."
رجلان من رجاله لم يمنعا أنفسهم من إطلاق ابتسامة متعجرفة، أحدهم تمتم ساخرًا: "هذا هو الذي أوقف عصا رافين؟ يبدو انه لا يعرف من هو رافين ..."
آخر رمقه بنظرة مليئة بالاحتقار
لكن أكاينو لم يتحرك، لم يرد، لم يرمش.
عيناه ثبتتا على ظهر رافين كأنهما نُقشتا هناك.
ثم، وبينما يبتعد رافين، رفع يده بلا التفات، وقال بصوت منخفض:
"افعلوا ما أمرتكم به."
أومأ الرجال برؤوسهم، لا كلمة، فقط حركة، وكأنهم تلقّوا تعليمات مشفرة.
وفي داخله، كان رافين يتمتم، وابتسامة خفيفة تشق وجهه:
"بدأت المتعة الحقيقية... لنرَ، يا تيندو أكاينو، كم ستصمد قبل أن تنكسر."
وأما أكاينو، فقد بقي يتألم بصمت ، وسط المنجم، … لكن لم يكن وحيدًا.
الرجل العجوز خلفه، على الأرض، يراقب بصمت.
---
التفت أكاينو ببطء نحو العجوز الممدّد على الأرض
مدّ أكاينو يده نحو العجوز، قائلاً بهدوء:
"أعطني يدك."
العجوز تردّد لحظة، ثم همس وقد غلب عليه الخوف:
"أنت... لست واحدًا منهم، أليس كذلك؟"
هزّ أكاينو رأسه بابتسامة خفيفة:
"قلت لك، لن يقترب منك أحد. أعطني يدك."
ببطء، مدّ العجوز يده المرتجفة، لكن حين أمسك بها، حاول أن ينحني ليقبّلها كما تعوّد مع أسياده.
أكاينو سحب يده بلطف وهو يضحك بخفّة:
"لا تفعل هذا، رجاءً. أنا لست سيدًا لأحد."
ضحك العجوز أيضًا، ضحكة خفيفة مشوبة بالحرج، وقال:
"آه... عادة قديمة، يصعب التخلّي عنها."
"أفهم." ردّ أكاينو مبتسمًا، "فقط عد إلى بيتك... حيًّا، لأجل من ينتظرك."
بينما استمرّت الابتسامة على وجهه، انخفضت نظراته دون أن يشعر... فرأى البلل في ملابس العجوز، مزيج من الخوف والمهانة.
لم تتغيّر ملامحه.
ابتسامته ظلّت كما هي، كأنها صخرة تحجب ما في داخله.
"يضحك الآن... لكن جسده يتحدث بصوت أعلى.
ذلك البلل... ليس فقط من الخوف، بل من تاريخ طويل علمه أن لا أحد سيحميه.
ولأنني لم أكن هناك حين كانوا يحتاجونني، صدّق أنني مثلهم."
"ما أسهل الضحك، وما أثقل هذه الابتسامة حين تعرف أنك السبب دون أن يراك أحد كذلك."
"لو أنّني فقط لم أفتح ذلك الباب...
ذلك الباب اللعين الذي أدخلنا إلى كل هذا الجحيم...
لكان هذا الرجل الآن يجلس مع أحفاده، لا يرتجف كطفل أمام جلاد."
نظر إلى العجوز مجددًا، ثم قال وهو يشدّ على كتفه:
"اذهب. الليلة لا يجب أن تنام على الأرض مجددًا."
تابع صوت افكاره
"كل ما يحدث... نقطة تبدأ مني.
كان يمكن أن يكون كل شيء مختلفًا، لو أنني فقط—"
"أكاينوووووو!!!"
قطع الصوت أفكاره. رفع رأسه ليرى الشاب يركض نحوه.
"ها؟ يوري؟"
ارتطمت قبضة يوري برأسه بقوة.
"آه...!" وضع أكاينو يده على رأسه، يتأوّه بضيق:
"هيه... هذا مؤلم، بحق الجحيم! ما بك؟!"
صرخ يوري دون أن يبتسم، عينيه تشتعلان غضبًا:
"هل فقدت عقلك؟!"
زمجر يوري وهو يقترب أكثر:
"هل يجب أن أعلّق جرسًا في عنقك؟!"
"ماذا؟ ماذا فعلت الآن؟" قالها أكاينو بنبرة جافة، غير مستعد للاعتذار.
اقترب يوري، كأنّ أنفاسه نار:
"لا، لم تفعل شيئًا... فقط اقتربت من قبرك لثوانٍ معدودة!"
رفع يده يشير إلى المكان الذي كان يقف فيه رافين.
"ماذا كنت تظن؟ تقف أمام قاتل مجنون، رجل يسحق العظام لمجرّد التسلية... وتقف هناك وكأنك تُلقي التحية على صديق قديم!"
زفر أكاينو، وقال بهدوء ثقيل:
"كنت أعلم ما أفعله..."
يوري، صوته منخفض هذه المرة:
"بل كنت تُجرب الموت، وهذه المرة... اقترب كثيرًا."
---
قال أكاينو، وهو يشبك يديه وينظر إلى يوري بنظرة ثابتة:
"أنا واقف أمامك، عن أي موت تتحدث؟"
ثم تابع بنبرة ثابتة، كأن كل كلمة تنبع من أعماقه:
"وأنت تعلم... لم يكن بيدي."
اقترب يوري خطوة، وعيناه لا ترمشان، ونبرته أكثر هدوءًا من قبل، لكن فيها حدّة رجل كاد يفقد شيئًا لا يُعوّض:
"قلت هذا مرارًا وتكرارًا، يا أكاينو..."
ثم وضع يده على وجهه، ونفخ بمرارة وكأن الكلمات تثقل عليه، قبل أن يضيف:
"كل يوم أجدك في مشكلة أكبر من التي قبلها... كأنك تتسابق مع الجنون."
أكمل، بصوت مليء بنغمة سخرية حزينة:
"هل تحب الموت إلى هذه الدرجة؟"
ثم تنهد، وأكمل :
"قل لي فقط... هل بينك وبينه موعد لم تخبرني به؟"
أكاينو، وقد شبك يديه خلف رأسه ومال قليلًا للوراء، قال مبتسمًا:
"اهدأ يا رجل... تجعلني أشعر أنّني أتحدّث مع أمّي، لا مع صديقي."
يوري وضع يده على وجهه مجددًا، وكأنّما يحاول حجب العالم:
"هل هذا وقت مزحة الآن؟!"
أكاينو لم يرد مباشرة، بل ابتسم ابتسامة عريضة، ثم أطلق ضحكة خفيفة، قصيرة، تحمل شيئًا من الطفولة رغم الدم على كتفه.
"ربما لا... لكنك كنت ستبكي، ولم أرد رؤية ذلك."
نظر إليه يوري شزرًا، كأنّه يحاول مقاومة ابتسامة صغيرة.
أكمل أكاينو وهو يبعد يده عن رأسه:
"أنا هنا، واقف... لا ميت، ولا مجنون. فقط... أعيش على طريقتي."
نظر أكاينو إلى يوري، كان الغضب واضحًا في عينيه، لكن خلف ذلك... شيء أعمق. شيء لا يمكن للشتائم ولا الصراخ أن يخفيه.
(حوار داخلي - أكاينو):
"يوري... هو صديقي منذ الطفولة. أعرف هذا الغضب، رأيته من قبل... إنه لا يصرخ لأنني أخطأت، بل لأنه خائف... خائف من أن أفقد نفسي. هو أحمق أحيانًا، يبالغ في القلق، يتحدث كأنه وصيّ على حياتي... لكنني أعرفه. قلبه نظيف، وروحه متعبة مثل روحي. في هذا العالم الجهنمي، لا نملك شيئًا... لا عائلة، لا أمان، لا حلم يمكن الإمساك به دون أن يحترق بين أصابعنا. كل ما نملكه... هو بعضنا البعض. وهذا كافٍ ليجعلني أقاوم كل شيء."
تضيق عيناه قليلًا، تتغير نبرة ابتسامته، تميل إلى الحنان رغم صرامة الموقف.
ثم بصوت مسموع، لكن منخفض:
"أنت غاضب لأنك تخاف... وأنا أفهم ذلك."
يوري (بحدة وهو يشير بأصبعه نحوه):
"تبًّا لك، أيها الأحمق... إن متّ بسبب مزاحك السخيف، سأقوم من القبر فقط لأصفعك."
(يرمش بعينيه ثم يدير وجهه ببرود، كأنما لا يطيق النظر إليه، لكن قلبه يحترق قلقًا)
أكاينو (يضحك بخفة وهو يمرر يده خلف رأسه، ثم يبتسم ابتسامة عريضة):
"ههه... دائمًا تعرف كيف تجعلني أشعر أني طفل أزعج والدته."
وفجأة، يقطعه صوت غليظ من الخلف:
؟؟؟ (بصوت عالٍ):
"هُووي، أكاينو!"
يلتفت أكاينو بسرعة، ونظره يضيق حين يرى رجلاً يقترب وسط الظلال.
إنه "شورو"... مهرب الأدوية المعروف، يحمل رتبة "ألفا موجب"، وعنصره النيكل.
علامة الكوما على كتفه الأيسر تتوهّج بخط واحد فقط... الشرط الأول قد تم تفعيله.
شورو (بنظرة ساخرة وابتسامة نصف وجه):
"سمعت أنّك تبحث عن مشاكل... وجئتُ لأبيعك واحدة."
أكاينو (يبتسم بخفة ونبرة ساخرة): "أهلاً، شورو... لا تتأخر عن موعدك أبداً، كعادتك."
شورو (يتوقف على بعد خطوات، ينظر لهما بنظرة هادئة لكن مشحونة): "لو كنت أتأخر... لما بقيت على قيد الحياة، ولا أنت كذلك."
يوري (بعين ضيقة ونبرة حذرة): "أجبنا، ما الذي جاء بك؟"
شورو (يخرج لفافة صغيرة من معطفه، يلوّح بها بخفة): "هدية صغيرة... أو لنقل صفقة."
أكاينو (عيناه تتابعان اللفافة، ثم ينظر إليه بحدة): "دواء النيثرال المضاد... لم أتوقع أن يصل بهذه السرعة."
يوري (يتجه خطوة للأمام): "ذلك الدواء... سعره ثلاثة أضعاف ما نملك. لا تخبرني أنك جلبته بدافع الكرم."
شورو (يضحك ضحكة قصيرة): "الكرم؟ لا أملك ترف ذلك، لكنني أملك تقديرًا خاصًا لمن يثير الفوضى في النظام."
أكاينو (نبرة جادة، ونظرته تتحول إلى صلابة): "ما الثمن؟"
شورو (يقترب حتى يصبح ظل وجهه واضحًا تحت الضوء الخافت): "أريد شيئًا بسيطًا... جمجمة واحدة، لشخص واحد فقط."
يتبع....